Saturday, March 21, 2009

التمييزالديني في الجامعات المصرية


الأحد, 22 مارس 2009
عادل جندي- باريس

لماذا لا يوجد أقباط بين القيادات الجامعية في مصر؟ سؤال يتردد أحيانا، فما هي حقيقة الأمر.
في مصر ١٧ جامعة حكومية، لكل منها رئيس و نواب رئيس (بين ثلاثة وأربعة)، بمجموع كلي قدره ٧١ ليس من بينهم قبطي واحد.
وبما أن شاغلي هذه المناصب يُختارون عادة من بين المستوى القيادي التالي، وهو العمداء ووكلاء الكليات ورؤساء الأقسام، ولمعرفة إذا ما كان الأمر يتعلق بحاجز مانع على باب المستوي الأعلى أم لأسباب أخرى غير ذلك، فالطريقة الوحيدة هي محاولة التعرف على الصورة بقدر من التفصيل.
وفي سبيل ذلك فقد قمنا بمراجعة شاملة ـ عبر الشهور القليلة الماضية ـ لسجلات الكليات التابعة لهذه الجامعات. هناك ٢٧٤ كلية، لكل منها عميد ووكلاء (عادة ثلاثة)، بمجموع يصل إلى حوالي ٩٤٧، لم نجد بينهم سوى عميد ووكيل (ربما اثنان) أقباط (جميعا في الفيوم وشمال سيناء!).
ولمحاولة استكمال الصورة بطريقة أشمل وأعمق راجعنا ما أتيح لنا الحصول على معلوماته بين رؤساء الأقسام في كليات معظم الجامعات المصرية، وتوصلنا للآتي:
ـ جامعة القاهرة: هناك أربعة أقباط بين ١٤٨ رئيس قسم، بنسبة ٢،٧٪ أي حوالي نصف نسبتهم بين الأساتذة التي تبلغ حوالي ٥٪
ـ جامعة عين شمس: هناك واحد أو اثنان بين ١٠٩ بنسبة أقل من ٢٪ أي أقل من ثلث نسبة الأقباط بين الأساتذة، التي تبلغ حوالي ٧٪
ـ جامعة الإسكندرية: هناك سبعة (+اثنان محتمل) من ٢٢٢ بنسبة بين ٣٪ و ٤٪ وهي تقريبا نفس نسبتهم بين الأساتذة.
أي إنه في هذه الجامعات «القديمة» (التي أنشئت قبل ١٩٥٢)، هناك ١٢ قبطيا (+٣) بين ٤٧٩ رئيس قسم ، بنسبة بين ٢،٥٪ و ٣٪
ـ في جامعات طنطا والمنصورة والزقازيق وحلوان: لا يوجد قبطي واحد بين إجمالي ٢٨٣ رئيس قسم تمت مراجعتها.
أما في جامعات الوجه القبلي فقد وجدنا الآتي:
ـ جامعة أسيوط: في دراسة سابقة خلصنا إلى أنه لا يوجد قبطي واحد بين رؤساء أقسامها المائة والثمانية. كما وجدنا أنه بينما تتراوح نسبة الأقباط بين الطلبة في كلياتها بين ٢٠٪ و ٢٩٪ فإن نسبتهم بين الأساتذة تقل عن ٦٪ كما أن نسبتهم في الصف الثاني من هيئات التدريس (أستاذ مساعد وما تحته) هي أقل من ٢٪ (١،٧٪ بالتحديد).
ـ جامعة المنيا: لا يوجد قبطي واحد بين ١٢٠ رئيس قسم، علما بأن نسبة الطلبة الأقباط تزيد عن ٢٥٪
ـ جامعة جنوب الوادي: لا يوجد قبطي واحد بين ١٠٣ رئيس قسم.
ـ جامعة الفيوم: هناك قبطي في منصب عميد لكلية الآثار (وهي كلية حديثة يبدو أنها انفصلت عن كلية السياحة والآثار). وهناك احتمل بوجود قبطية وكيلا لكلية أخرى. ولا يوجد قبطي واحد بين ٩٠ رئيس قسم.
إجمالي جامعات الصعيد الأربعة: لا يوجود قبطي بين ٤٢١ رئيس قسم..
إجمالي ١١ جامعة أعلاه التي تمت دراستها: هناك ١٢ (+٣) رئيس قسم قبطي بين ١١٨٣ بنسبة واحد بالمائة.
وإذا أضفنا مناصب رئيس ونائب رئيس جامعة وعميد ووكيل كلية في المجموعة التي تمت دراستها لوجدنا ١٣ (+٤) قبطيا بين ١٩٢١ أي أقل بكثير من واحد بالمائة من كافة المناصب الإدارية والقيادية الدنيا والمتوسطة والعليا.
***
إذن فعدم وجود رؤساء جامعات هو نتيجة طبيعية تماما لانعدام وجود عمداء كليات منهم. كما أن وجود عمداء أقباط هو أمر شبه مستحيل بسبب ندرة ـ تصل لحد الانعدام ـ رؤساء الأقسام من الأقباط. بل إن القلة النادرة منهم هي بلا شك في طريقها للتلاشي عندما يختفي الأساتذة الأقباط من الجامعات كنتيجة حتمية لانكماش وجودهم تدريجيا في وظائف «الصف الثاني» بهيئات التدريس، نتيجة تطبيق سياسة تجفيف المنابع أثناء سنوات الدراسة وقبل التخرج.
أي إن المسألة تأخذ شكل الهرم المدرج (مثل هرم «سقارة» الذي بناه الجد العظيم زوسر!) حيث تضيق مساحة كل طبقة حتى تتلاشى عند القمة، مع الفارق وهو أن هرم التمييز الديني تتقلص طبقاته بمعدل هائل وتتلاشى في منتصف الطريق! وإضافة إلى «الشكل» فالكارثة هي أيضا في ضخامة وحجم وثقل هرم زوسر!
[ولمجرد لفت النظر إلى ظاهرة سبق الكلام عنها، نضيف أن إجمالي أعضاء هيئات التدريس في كليات الطب بجامعات القاهرة والإسكندرية وطنطا وأسيوط يبلغ ٤٣٨ ليس بينهم قبطي واحد أو قبطية واحدة. ويقال أنه يستحيل على القبطي أن يحصل حتى على «دبلوم» الدراسات العليا في هذا الفرع، ولكن ليس لدينا ما يثبت هذا بصورة قطعية..].
***
الخلاصة هي أن الذين يتباكون أحيانا لعدم وجود أقباط في «المناصب القيادية العليا» بالجامعات يتجاهلون، أو لا يدركون، عمق المشكلة الكارثية. ولا يمكن تصوير أو تفسير أو تبرير هذه الكارثة بأنها ترجع «لمجرد» (!) تغلغل واستشراء سرطان التعصب، فهي لا يمكن إلا أن تكون نتيجة «سياسة عامة» يتم تنفيذها بكفاءة هائلة، بالتدريج وعلى نار هادئة، لدرجة أن الكثيرين ينكرون مجرد وجود المشكلة ويتهمون من يلفتون النظر إليها بالمبالغة أو الطائفية وغير ذلك من الاتهامات البلهاء.
وهذه السياسة يبدو أن الإعداد يجري لإكمال حلقاتها الجهنمية بأن يصبح مجرد دخول الجامعات مشروطا بالنجاح في اختبار قدرات شخصي («لقياس قدرات ومهارات وميول الطلاب» !). وبرغم المعارضة الهائلة التي يلقاها هذا المشروع من أوساط مختلفة ولأسباب متعددة، أهمها أنه سيقضي على البقية الباقية من مبدأ «تكافؤ الفرص» بين الطلبة، على أسس الدين أو المال أو المستوى الاجتماعي أو الوساطة، أو الاستلطاف؛ إلا أننا نجد إصرارا عجيبا ومثيرا للدهشة على تطبيقه.
هل في استطاعة أحد أن يوقف هذه الكوارث عند حدها؟

adel.guindy@gmail.com
نقلا عن الاقباط الاحرار


No comments:

Post a Comment